يوم فيلالي؛ تافيلالت ارفود, الريصاني ,الجرف, السيفة والنواحي, حنان , المعاضيد و النواحي.


يوم فيلالي؛

تافيلالت قطعة من جهنم انتُزعت ووُضعت صيفا على هذه الأرض،
لتختبر صبر الإنسان أمام جحيم دنيوي يلفح الكهول والشيوخ والنساء بلهيبه هنا في هذه الدار قبل الأخرى.
في تافيلالت لا وجود للشباب صيفا، فالكل يحزم أمتعته إما للعمل في فاس ومكناس وغيرها من مدن الوسط، وإما للاستجمام، وهذا ناذر، في مدن أزرو والحاجب والشمال. في تافيلالت كل شيء يَحرُم عليك فعله من العاشرة إلى ما بعد العصر. في تافيلالت الكل يفترش "بوشرويطا" أو فراشا رقيقا في لحظات ذروة الحرارة. كل السقائف تمتلئ بالنّوّم الذين لا يجدون ملجأ إلا هذا المكان الرحب والفسيح. إنه المكان الذي يأتيه الهواء من كل جانب؛ يأتيه من "الدروج" ومن "فم الدار" ومن الثقوب التي تحيط بالسقيفة. تجد الشيوخ كلهم يحملون مراوح قصد تلطيف الأجواء، ويعملون على تغطية "عين الدار"، فلا ترى شيئا إلا الظلام الدامس، وذلك خوفا من الذباب الذي يكاد يستعمر المكان. أما في الليل فالكل يستيقظ؛ الإنسان والحيوان والحشرات. تجد السطوح مقسمة؛ فهنا تلفي الأواني، وفي هذا الجانب تجد التلفاز، وفي أقصى السطح تجد بطيخة أو "دلاحة" مقسومة وموضوعة في صحن أو سلة، وفوق قضبان "عين الدار" تجد "مكبّ الخبز"، وربما تجد أحد الصبية يدخل رجليه المغبرتين بين الفجوات التي تتخلل القضبان. ما إن تُصلى العشاء حتى يدخل الجميع إلى الدار، فيلتفون حول بعضهم ينسجون حكايات وحجايات، بينما الأب مستلق على جنبه الأيمن ربما يفكر في إطعام الحمار أو في السوق، والنسوة تُحضرن "الدواز" و"الشلاضة". التلفاز لم يكن يعني للفيلالي شيئا، فوجوده من عدمه سيان. أما الشاي فهو الشيء الوحيد الذي يعد الاستغناء عنه شيئا مستحيلا، فالكل يدمنه منذ نعومة أظفاره. ما إن تنتهي النسوة من تحضير الأكل حتى يتم إفراغه في "الطبصيل"، فيُلتهم ساخنا، ويبقى اللحم آخر ما يُتناول، إذ تتولى الجدة قسمته بشكل تراتبي بين أفراد العائلة؛ ففي أعلى الهرم يأتي الأب ثم الجدة ثم الابن الأكبر والأم، يليهما الأبناء الصغار، في حين تأتي البنات الصغيرات في الأخير. بعد الانتهاء من الأكل يتم الانتقال إلى سطح الدار الأخرى بالنسبة للأب والأم والأطفال الصغار، ويبقى في سطح الدار الأولى الأطفال الأكبر سنا والذين لم يعودوا يخافون النوم لوحدهم. ما إن يُسمع شخير الأب حتى ينسلّ من في الدار الأولى إلى "فم القصر"،عندها تبدأ حياة جديدة مع نسمات الفلوات فلا يعكر صفوها إلا الباعوض و"شنيولة". الأحاديث بين الشباب تكون متكررة ودائما في موضوع واحد هو حكاية مغامراتهم مع الفتيات. الكل كان يدرك أن الكل يكذب، لكن عذوبة الحديث هي ما كان يحفز على استمراره وتناسله. كان سيد المجلس يُعرف منذ البداية، فهو أكذبهم وأبلغهم. ما إن تنتهي المسامرة المسائية مع "نص الليل" حتى يرجع الأولاد إلى أفرشتهم فلا تكاد تسمع لهم صوتا خوفا من غضب الأب. بعد ساعة أو ساعتين تسمع أحد الصغار يبول في "الطاصة" أو في السطح مباشرة وعيناه مغمضتان، بينما الآخرون إلى جنبه مستلقون على ظهورهم في الغالب الأعم وأفواههم مفتوحة. عند الفجر يهرع الآباء إلى المسجد، فيملؤون السطول ويدخلون إلى "الخريبيشات" لرفع الجنابة خفية وكأنهم اقترفوا جرما شنيعا، فترى علامات الريبة والقلق في عيني من جامع زوجته ليلا وخرج ليعيد إدخال نفسه في الدين مرة جديدة. بعد الصلاة تبدأ الظلمة بالانبلاج، ما يعني أن على الجميع الاستيقاظ، فلكل واحد مهمة خاصة تكون محددة ليلا؛ بالنسبة للأطفال كانوا كلهم يعملون على جمع الحشائش رغم قلتها، وإطعام البهائم، وتوريدها الماء. أما النساء فكنّ يوزعن الأدوار بينهن؛ إذ تقوم إحداهن بإعداد الخبز والأخرى بتحضير الحريرة بينما الثالثة تتكلف بتنظيف الدار وجمع العلف الذي يرميه الأطفال في التراب. بعد أداء الكل لمهامهم يلتفون حول قدوح الحريرة ويملؤونها بالخبز المقطع قطعا صغيرة، ثم يعمدون إلى أكله بواسطة شوك جريد النخيل، فتجد لهذه العملية طعما خاصا ولذيذا. بعدها، يقوم الأب بإعداد الشاي وتحضيره على نار هادئة. نسمة الشاي الفيلالي المعطر بالأعشاب أو "الشيبة والنعناع" كانت تجعل الكل يشرب ويطلب المزيد، لكن الأب كان يردعهم: " اللي شرب حقو يغمض عينيه". غير أن هذه الجملة لا تنسحب على الأب والجدة، فهما يشربان حتى يرتويان، ويتركان الآخرين ينظرون إليهما بطرف خفي وأسئلة مقلقة تعج في صدورهم. لكن، لا حيلة لديهم للمواجهة، فتلك أعراف يجب الانقياد إليها، ذلك أن سلطة العرف أقوى وأعمق من سلطة القانون. ما إن يُشرب الشاي حتى يضع الأب السوق بين عينيه. سوق الريصاني من أهم أسواق المنطقة، سوق عريق تجد به كل شيء رخيصا. تسمع الكل ينادي: " خيزّو بخمسين، البطاطة ستين جوج بمية، الدلاح غير بتلاتين كلشي يعزل كلشي يختار...." سرور وحبور يملأ وجوه الصبية القادمين من القصور المجاورة والذين يريدون أن "يحسّنوا" رؤوسهم، فيغتنمون الفرصة للذهاب إلى ولد الحيلة أو ولد المجرة ليحشو لهم ربع خبزة بالسردين و"لاصوص"، وذلك في انتظار قيامهم بجولة قد تطول وقد تقصر إلى بائعي الدجاج والحمام البلدي.










author-img

حمداوي عزيز

تكنولوجيا اليوم والغد حمداوي عزيز من مواليد مدينة أرفود سنة 1988 أهوى كل ما يتعلق بعالم التكنولوجيا بكل أنواعها و اهتم بتقنيات الموقع ومواكبة كل ماهو جديد في عالم التقنية . الملف الشخصي

Comments

أحدث أقدم

ad

ad